العدوان البربري ونتائجه
تتابع هذه المقالة الأحداث الجارية وتقييم العدوان البربري الإسرائيلي الذي أسفر إلى الآن عن استشهاد نحو (900) مواطن ثلثاهم من النساء والأطفال والشيوخ، والذي تتم فيه عملية تدمير بربري ممنهج استباح كل شيء في غزة.
ومن الواضح أن العدوان البربري كان تحت غطاء فلسطيني عربي أميركي، وبتنسيق وتحريض كامل مع بعض الأطراف غير البريئة من الدماء البريئة.
وقد ساهمت هذه الأطراف في تهيئة الأجواء الإقليمية للعملية قبل الدخول فيها حتى لا تحدث أمور في الإقليم قد تؤدي إلى تغيير مسار الخطة المرسومة.
المقدمات التي سبقت تنفيذ الخطة
1- تصريحات لكبار المسؤولين الإسرائيليين كان آخرها تصريح وزيرة الخارجية تسيبي ليفني في القاهرة حول ضرورة تغيير الواقع الذي فرضته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة في شهر يونيو/حزيران 2007.
2- إرسال رسائل تهديد لكل الأطراف التي قد تساند المقاومة الفلسطينية مثل سوريا وحزب الله وحتى الشعوب العربية.
3- الموافقة المصرية الواضحة على العدوان بل والتحريض عليه من خلال ما سربه الإعلام الصهيوني على لسان عاموس جلعاد بعد زيارته للقاهرة من أجل تمديد التهدئة حول تهديدات عمر سليمان بأن حماس عصابة ويجب القضاء عليها على إثر فشل جولة الحوار الفلسطيني الذي دعت إليه القاهرة.
4- تحريض عباس المستمر والواضح على العدوان في محطات كثيرة كان آخرها حديثه من القاهرة عن أن حماس هي من رفض التهدئة.
المرحلة الأولى من الخطة العسكرية الجوية
"
الاحتلال يظن أنه بالضربات العسكرية يضع حماس أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تتنازل عن السلطة وتقبل بشراكة مع فتح بشروط الأخيرة والقبول بقوات دولية على غرار ما حدث في لبنان, والثاني مواجهة عسكرية شاملة لا تقوى عليها
"
لن تتخل إسرائيل عن خيار المواجهة العسكرية مع حماس بسهولة حتى تستيقن تماماً استحالة نجاحه في تحقيق الأهداف.
لذلك فإنها تلجأ إلى طرق مواجهة جديدة قاسية وصعبة على الشعب الفلسطيني وعلى حماس. ولكن نتائجها ستكون وخيمة على الطرفين، وهي في الغالب ستكون حماقات كما عودنا القادة الإسرائيليون في مثل مواقف الجبن في المواجهة.
لذلك بدأت إسرائيل عدوانها البربري بعملية عسكرية كبيرة في القطاع، وافتتحت ذلك بضربات نوعية بالجو رغبة في الصدمة والترويع والإنهاك لحماس واستنزافها عسكرياً وجماهيرياً خصوصاً أن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر فوض الجيش بإعداد وتنفيذ خطة لوقف إطلاق الصواريخ من غزة.
والضربات كانت على النحو التالي:
1-ضرب مقرات الحكومة والأجهزة الأمنية لتعطيل عمل الحكومة، وكذلك المجلس التشريعي.
2- ضرب مقرات الحركة ومؤسساتها الخدماتية والإعلامية بما فيها شبكة الأقصى.
3- ضرب القيادات السياسية والعسكرية الكبرى والميدانية مع إمكانية استهداف منازلهم وأسرهم.
4- استهداف بعض المساجد الكبرى ذات الثقل للحركة.
5- إعادة تفعيل عملاء إسرائيل و"خونة" حركة فتح وتجنيد عملاء جدد لإثارة الفوضى الداخلية.
يظن الاحتلال أنه بهذه الضربات يضع حماس أمام خيارين لا ثالث لهما:
الأول: إما أن تتنازل عن السلطة وتقبل بشراكة مع فتح بشروط الأخيرة والقبول بقوات دولية على غرار ما حدث في لبنان.
الثاني: مواجهة عسكرية شاملة لا تقوى عليها.
وللعلم فإن الوقت المتاح لإسرائيل لاستخدام هذا العدوان مريح لوجود غطاء أميركي وعربي مما سيخفف حجم الضغوط الدولية الذي ستواجه إسرائيل مدفوعة من مصالح الدول الغربية في المنطقة العربية التي قد تنفجر في أي لحظة.
علاوة على الصورة الإعلامية السيئة لإسرائيل التي تنقلها وسائل الإعلام وما سيترتب عليها من تداعيات شعبية على مستوى العالم. وقد يصاحب ذلك الخوف من اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية قد لا تحمد عقباها.
المرحلة الثانية من الخطة العسكرية البرية
من خلال تحليل مجريات العملية واستناداً إلى شهود العيان في أرض المعركة، تمكن قراءة الخطة على أنها خطة متدحرجة تتطور يوماً بعد يوم رغبة في الوصول إلى إنهاك المقاومة واحتلال محاور القطاع مؤقتاً لإنهاء حكم حماس فيه، ويبدو أن كل عناصر الخطة تم اختيارها بعناية وعن دراسة مسبقة.
"
برغم التكنولوجيا التي تمتلكها إسرائيل والعملاء على الأرض يبدو أنها لم تكن تمتلك معلومات مهمة عن تحركات المقاومة وتكتيكاتها مما يوقعها في مواجهة مباشرة مع كتائب القسام تسعى للفرار منها, الأمر الذي سيؤدى إلى إجهاض العدوان الإسرائيلي وإفشاله
"
وإجمالاً فإن الخطة تعتمد على دخول قوات بكثافة في أكثر من منطقة للسيطرة على المنطقة وصولاً إلى شارع صلاح الدين غرباً، ومنها شمالاً نحو بيت حانون وجنوباً نحو مدينة غزة وحي الشجاعية بالتحديد ووصولاً لمفترق الشهداء (نتساريم) والاتجاه غرباً حتى شاطئ البحر. لتتم بذلك محاصرة مدينة غزة التي تشكل مركز الثقل السياسي والعسكري الأكبر لحركة حماس، وليتم إنهاكها جوياً وإشاعة الفوضى الداخلية من خلال العناصر العميلة للاحتلال ولرام الله التي تم ضبط بعض مجموعاتها التي تعمل لتنفيذ هذا السيناريو، أما وسط وجنوب القطاع فسيكون التعامل معه أسهل إذا ما تم انهيار حكم حماس في غزة والشمال.
من الملاحظ أنه تم اختيار موقع العملية بعناية وذلك لعدة اعتبارات:
1- منطقة مرتفعة يمكن أن تكشف من خلالها كل قطاع غزة.
2- الكثافة السكانية قليلة وأغلب الأراضي مكشوفة.
3- منطقة ضعف عسكري للمقاومة، وإمكانيات المناورة فيها ضعيفة.
4- نسبة كبيرة من سكان المنطقة من غير عناصر حماس والمقاومة.
5- الدخول من خلالها إلى عمق القطاع والوقوف على أبواب أكبر تجمعات سكانية.
وبرغم كل التكنولوجيا التي تمتلكها إسرائيل والعملاء على الأرض يبدو أنها لم تكن تمتلك معلومات مهمة عن تحركات المقاومة وتكتيكاتها مما يوقعها في مواجهة مباشرة مع كتائب القسام تسعى للفرار منها.
الأمر الذي سيؤدى إلى إجهاض العدوان الإسرائيلي وإفشاله من بدايته وهي نقطة جوهرية تحسب للمقاومة ولكتائب القسام على وجه الخصوص التي تظهر تماسكاً منقطع النظير وقدرة على مواجهة التحديات بشكل غير عادي.
* بدأت العملية البرية بعد مغرب السبت الموافق 4/01/2009م عندما اندفع آلاف الجنود الإسرائيليين الذين يشكلون أربع ألوية نحو مسرح العمليات.
* يبدو أن عملية الرصد التي تقوم بها كتائب القسام كانت ناجحة إلى حدٍ بعيد حيث تم تسهيل مهمة الدخول في بعض المحاور لإيقاعها في شرك تم نصبه في المنطقة.
* بالفعل حدث ما تم التخطيط له من قبل المقاومة ووقعت القوات الإسرائيلية في الشرك حيث تم إطلاق النار على القوات الإسرائيلية من مسافات قريبة جداً أدت إلى قتل وجرح الكثيرين منهم بخلاف ما اعترفت به قوات الاحتلال.
"
الحكومة الإسرائيلية أدركت أن خطتها في طريقها للفشل في المرحلة الأولى أمام بسالة المقاومة لذا بدأت المذابح التي يتعرض لها الأطفال، ورغم الصور المروعة والمجازر اليومية تحرك الشارع العربي والدولي ولم تتحرك نخوة المعتصم
"
* أوشكت المقاومة على أسر جنود إسرائيليين لولا كثافة النيران التي تعرض لها المقاومون من قبل طائرات الأباتشي التي تدخلت لإنقاذ الموقف لكنها لم تستطع الهبوط لإنقاذ الجرحى، وأُجبرت على التقهقر، ومن ثم تم استدعاء الآليات العسكرية من دبابات وناقلات جند، وقد استطاعت المقاومة أيضاً أن تتعامل معها من خلال تدمير بعض هذه الآليات.
* حجم الخسائر غير المتوقع للاحتلال والصدمة التي تلقتها القوات الإسرائيلية المتوغلة دفعت قيادة الجيش لارتكاب مجازر ضد الأطفال والمدنيين الآمنين لموازنة خسائرها.
* ولما أدركت الحكومة الإسرائيلية أن خطتها تفشل في المرحلة الأولى أمام بسالة المقاومة بدأت المذابح التي يتعرض لها الأطفال، ورغم الصور المروعة والمجازر اليومية تحرك الشارع العربي والدولي ولم تتحرك نخوة المعتصم.
حيث أعلنت الحكومة الإسرائيلية أن هذه المرحلة من العملية العسكرية قد انتهت وأنها ستقوم بتقييم الموقف والنتائج قبل استكمال باقي المراحل.
نتائج العدوان البربري
من الواضح أن نتائج العملية سيكون لها تأثير كبير على مجريات الأحداث في المرحلة القادمة وما سيتخذ من قرارات لجميع الأطراف.
وفي ضوء هذه النتائج سنحاول تقدير موقف جميع الأطراف ذات العلاقة قبل الدخول في استخلاص العبر ووضع التوصيات.
أولاً: نتائج العملية العسكرية
ستفشل إسرائيل في تنفيذ خطتها الرامية لإسقاط حكم حماس في القطاع ومنع إطلاق الصواريخ، وستصبح لذلك آثار واضحة على الأطراف المعنية.
على الصعيد الإسرائيلي
1- سيمثل الفشل العسكري في غزة خيبة أمل كبيرة لإيهود ولمرت الضعيف ووزير دفاعه إيهود باراك الذي يسعى لجولة الانتخابات القادمة باعتبار أنه القادر على حسم المعارك.
2- مع استمرار الصمود سنصل إلى انحطاط الروح المعنوية لدى الجندي الإسرائيلي وفقدانه ثقته بنفسه رغم التعتيم الإعلامي الإسرائيلي الشديد.
3- ستعود الأصوات الإسرائيلية المنادية بضرورة الحوار مع حماس والتوصل إلى تهدئة.
4- سيتنامى شعور المواطن الإسرائيلي بحالة من الخوف والإحباط نتيجة لعدم قدرة جيشه على حمايته واستحالة منع إطلاق الصواريخ من غزة بالطرق العسكرية.
5- إدراك المخطط والسياسي الإسرائيلي أن حسم المعركة مع حماس لن يكون سهلاً وسيكون مكلفاً جداً.
6- إدراك المخطط والسياسي الإسرائيلي أن وجود حماس في حكم غزة يشكل تهديداً إستراتيجياً على المشروع الصهيوني ككل، مما سيعوضه بارتكاب حماقات عسكرية خطيرة.
7- السعي الإسرائيلي إلى قرارات دولية تحفظ إنجازاته المؤقتة وتحقق بعض الأهداف على سبيل منع تهريب السلاح لحماس ومراقبة دولية.
على الصعيد الفلسطيني والعربي
1- يُعطي نجاح المقاومة في صد العدوان الإسرائيلي ثقة كبيرة بالنفس لدى المقاومة ورفع معنوياتها عالياً، كما يمنحها درساً مهماً في التكتيك العسكري وفرصة لمعالجة الأخطاء العسكرية.
2- ازدياد ثقة المواطنين في المقاومة وقدرتها على الحماية.
3- ازدياد شعبية حركة حماس محلياً وعربياً ودولياً خصوصاً أن قياداتها كانوا بين أفراد المقاومة الذين استشهدوا على أرض المعركة.
4- وضوح تنسيق وتحالف رام الله مع إسرائيل.
"
الهبة الجماهيرية للضفة الغربية والعالم العربي والإسلامي نصرة لإخوانهم في غزة تظهر حالة الحراك الجماهيري التي بحاجة إلى من يستثمرها لرفع الظلم عن الشعوب
"
5- الهبة الجماهيرية للضفة الغربية والعالم العربي والإسلامي نصرة لإخوانهم في غزة تظهر حالة الحراك الجماهيري التي بحاجة إلى من يستثمرها لرفع الظلم عن الشعوب.
6- تراجع شعبية حركة فتح لأكثر مما هي عليه سابقاً، وخصوصاً سلطة رام الله التي بدأ أغلب المواطنين المؤيدين لحركة فتح بالنظر لها بعين التوجس.
7- كشفت العملية وبشكل واضح طبيعة الدور العربي المتآمر على حركة حماس والقضية الفلسطينية.
على الصعيد الدولي
1- فشل العدوان سيؤدي إلى تغيير حسابات كثيرة في المرحلة القادمة وسيمنع أي تفكير في العدوان مستقبلاً ضد إيران أو سوريا أو لبنان.
2- المجازر الإسرائيلية البشعة في حق المدنيين الفلسطينيين وخاصة الأطفال ستكون لها آثار واضحة على النظرة العامة لإسرائيل في الدول الغربية